عرقلة سير العدالة..حين يتحول المنصب إلى غطاء لانتهاك القانون

القاضي منصور محمد القباطي:

في دولةٍ يُفترض أن تكون العدالة فيها هي السياج الحامي للحقوق، وأن يكون القضاء هو الكلمة الفصل بين الناس، لا يمكن القبول بأن تُعطّل الأوامر القضائية بأمزجة أشخاص أو بنفوذ مسؤولين يضعون أنفسهم فوق القانون.

فحين يُختطف مواطن ويُحتجز خارج إطار القانون، ثم تصدر أوامر قضائية واضحة بالإفراج عنه، ومع ذلك تُعطّل هذه الأوامر بقرارات فردية، فذلك ليس مجرد تجاوز إداري، بل جريمة متكاملة الأركان تمسّ العدالة ذاتها.

مقالات ذات صلة

إن أخطر ما يمكن أن يصيب أي مجتمع هو أن يفقد المواطن ثقته في قانونه وقضائه، وأن يرى أن من يمتلك القوة يستطيع أن يُعطّل العدالة متى شاء. فحين يَتجرّأ مسؤول أمني على تعطيل أمر قضائي ملزم، فإنه لا يعتدي فقط على فرد، بل يعتدي على الدولة بكاملها، ويُقوّض أحد أهم مقوماتها: سيادة القانون.

القانون فوق الجميع

لقد نص القانون اليمني بوضوح في المادة (165) من قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994م على أن “كل موظف عام استعمل سلطة وظيفته في تعطيل القوانين أو اللوائح أو في رفض تنفيذ الأوامر والأحكام الصادرة من محكمة أو أي جهة مختصة، أو امتنع عمداً عن تنفيذ شيء مما ذكر، يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة.”

فهذا النص لم يُكتب عبثًا، بل هو صمام أمان ضد تغوّل السلطة واستعمال المنصب في قهر القانون. لأن الوظيفة العامة وُجدت لخدمة الناس لا لاحتجازهم، ولتنفيذ الأحكام لا لتعطيلها. وكل من يعتقد أن منصبه يمنحه حق تعطيل قرارات القضاء، إنما يضع نفسه في موضع المجرم لا الحامي.

الاحتجاز خارج القانون… عودة إلى عصور الظلم

إن احتجاز أي مواطن دون سند قانوني، أو إبقاؤه رهن الاعتقال رغم صدور أوامر قضائية بالإفراج عنه، هو انتهاك فاضح للكرامة الإنسانية، وجريمة تمسّ كل بيت يمني يؤمن بالعدالة والحق. فالقانون لا يعرف الأهواء، والعدالة لا تميز بين قوي وضعيف، ولا بين صاحب رتبة ومواطن بسيط.

كل تأخير في تنفيذ أوامر القضاء هو طعنة في قلب العدالة، وإهانة لهيبة الدولة، وجرس إنذار بانهيار الثقة بين المواطن ومؤسسات بلاده.

مسؤولية المجتمع والدولة

ما لم تتحرك الدولة ومؤسساتها لتطبيق القانون على كل من يعرقل سير العدالة، فإنها تُرسل رسالة خاطئة مفادها أن القوة تغلب الحق.

إنّ صمت المؤسسات المعنية عن مثل هذه التصرفات يفتح الباب للفوضى ويُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، بينما الواجب أن يُقدّم كل من يرفض تنفيذ أوامر القضاء إلى المحاكمة فورًا، وأن يُحال كل من يحميه أو يتستر عليه إلى المساءلة.

فالعدالة لا تُبنى بالخطابات، بل بتنفيذ الأحكام، واحترام قرارات القضاء، والتعامل مع الجميع على قدم المساواة أمام القانون. وهذا هو الامتحان الحقيقي لمدى صدق مؤسسات الدولة في بناء وطنٍ يحترم كرامة مواطنيه.

رسالة إلى من هم في مواقع المسؤولية

المسؤولية ليست وجاهة ولا سلطة مطلقة، بل هي أمانة تُحاسب عليها أمام الله والوطن والقانون. ومن يستغل منصبه لتعطيل العدالة، إنما يخون هذه الأمانة ويهدم الثقة التي مُنحت له.

أما من يقف إلى جانب تنفيذ القانون ويحترم القضاء، فهو من يستحق أن يكون جزءًا من مشروع بناء دولة العدالة التي يحلم بها كل مواطن يمني حر.

الختام: نقول لا عدالة بلا هيبة للقانون لان احترام القضاء وتنفيذ أحكامه هو المعيار الحقيقي لوجود الدولة.

فإما أن يكون القانون سيد الجميع، أو نعود إلى منطق القوة والانتقام حيث تضيع الحقوق ويعلو صوت الظلم.، ولذلك فإن تطبيق المادة (165) يجب أن يكون فعلًا لا شعارًا، وأن تُفعّل بصرامة ضد كل من يعطل قرارات القضاء، أيًّا كانت صفته أو رتبته.

حينها فقط يمكن أن نقول إننا نسير نحو دولة العدل، لا دولة النفوذ.

والله الموفق”””””‘

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى